الاتجاهات الحديثة في مجال الموارد البشرية لعام 2021

الاتجاهات الحديثة في مجال الموارد البشرية لعام 2021

الاتجاهات الحديثة في مجال الموارد البشرية لعام 2021

في عصر أتسم بالسرعة والانفجار المعرفي، وانفتاح العالم على بعضه ليصبح قرية صغيرة بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، والتي أصبحت سلعة رائجة ومغرية يتسارع الجميع لاقتنائها والتباهي بها للدلالة على العصرية والانفتاح والثقافة، دون أن تفرق بين عمر أو جنس أو عرق، ودون أن يدرك المستخدم بأنه أصبح بذاته هو السلعة المستهدفة. وبفضل التطور التقني والذكاء الاصطناعي، تغيرت معالم الأسواق وأصبحت عابرة لكلالحدود دون عوائق. ومع مجريات الأحداث البيئية، والصحية، والاقتصادية، والسياسية، والتكنولوجية المتسارعة التي عصفت بالعالم في العام المنصرم، لم يعد العالم كما كان فقد تغيرت الكثير من المعتقدات والمبادئ الأساسية، التي كانت وحتى وقت قريب من المسلمات التي لا يمكن نقضها، عام واحد أتى ليعصف بكل ذلك دون هوادة أو رحمة في ظل أزمات مالية طاحنة، وليفتح العالم عينيه على عالم جديد مختلف عما ألفه خلال عقود سابقة.

 

كل ما سبق خلق مفهوم "عالم فوكا" (VUCA: Volatility – Uncertainty – Complexity – Ambiguity)تمثل بوجود حالة عامة من الغموض والضبابية، وصدمة اقتصادية عامة لمؤسسات الأعمال، ووقوعقياداتهاوخبرائها في دائرة الحيرة والذهول وهم يرقبون الوضع بقلق، وعدم القدرة على التنبؤ في ظل ارتفاع متسارع للمخاطر، ودون ظهور مؤشرات واضحة لمستقبل الأعمال جعلت من الحليم حيران.. وفي زمن عرف عنه انه عصر المعرفة!

 

لذا أصبح من المتوقع أن ينتج عن ذلك ظهور الكثير من الاتجاهات في مختلف الصناعات، وفي مقالنا الحالي سنسلط الضوء على بعض الاتجاهات الخاصة والمتعلقة بمجالات الموارد البشرية خلال عام 2021، والمتوقع أن يتم تسريعها والاستجابة لها بشكل أكبر لتخفيف تلك المخاطر، وتحقيق المرونة في التعامل مع المتغيرات الملحوظة، والتغييرات البيئية والمتسارعة في بيئات العمل، من خلال مجموعة من الأدوات التي ستساهم في الاحتفاظ بالمواهب وضمان الحفاظ على اندماج ومشاركة الموظفين، ولضمان استمرارية الأعمال وتحقيق الغايات الاستراتيجية لمؤسسات الأعمال.

 

التوجه الأول: تطوير المهارات القيادية

تُعرف القيادة بأنها هي القدرة على التأثير على الآخرين، وفي عالم أصبحت تغريده واحدة ترفع أو تخفض مؤسسات ودول، وتثير موجات عالية من التأثير على الملايين، هذه القدرة الهائلة على التأثير أصبحت من سمات هذا العصر بشكلها الإيجابي أو السلبي، ولذا تتصدر أولويات التركيز كونها أهم أدوات تحقيق النجاحات المؤسسية وحمايتها في نفس الوقت، والتي يجب أن يقودها قادة قادرين على التعامل مع "عالم فوكا" الجديد.

 

ولأهمية هذا التوجه نفذ العديد من الخبراء والمؤسسات والجامعات البحثية المرتبطة بالقيادة الكثير من الدراسات حول مفاهيم القيادة مثل Harvard & Korn/Ferry - على سبيل المثال لا الحصر - واللاتي وضعن إطار علمي وعملي على شكل خارطة طريق لتطوير جدارة القيادة، والتي تعد نواة التركيز لنجاح المؤسسات لإدراكهم بأن هذا التحول في ممارسات القيادة الحالية ستكون هي النتيجة المنشودة.

 

إن القيادة المتمحورة حول الإنسان تعني الرعاية الأصلية وأن تكون منسجماً وحاضراً ومتعاطفاً، وينظر إلى المؤسسات التي تتبنى نهجاً محوره الإنسان على أنها أكثر استجابة ورشاقة، وهي العنصر الحاسم للنجاح في واقع اليوم الذي لا يمكن التنبؤ به، وذلك لقيادة فرق العمل وإلهامها في مواجهة المجهول، والانخراط معها في الميدان لتحقيق الميزة التنافسية والغايات الاستراتيجية لمؤسسات الأعمال، فالناس تحب أن تتبع قائداً قادراً على قيادتها نحو الغايات المنشودة متعاطفاً مع احتياجاتهم الإنسانية.

 

 وذكرت مجلة فوربس في تحليلها عن 5 تحديات يواجها القائد هي كما يلي:

 

1.الاستثمار في تنمية المهارات القيادية.

2.خلق ثقافة التعاون.

3.تطوير مهارات الاتصال.

4.تأسيس ودعم المساءلة الحقيقية.

5.المحافظة على روح الإنسانية والذكاء العاطفي.

 

التوجه الثاني: دعم الثقافة التنظيمية

يقول بيتر دراكر "الخطر الأكبر في أوقات الاضطرابات ليس الاضطراب ذاته، وإنما العمل بمنطق الأمس". فالمؤسسات تعرف بأنها كيان حي يؤثر ويتأثر ببيئته سواء الداخلية والخارجية. ورغم أن الثقافة التنظيمية بطيئة التغيير، إلا أنه لوحظ مع جائحة كورونا تغيرات مذهلة وسريعة في بيئات الأعمال تمثلت بالإغلاقات لمواقع العمل، والإجازات الإجبارية، وإيقاف سفريات الأعمال والتدريب، والاجتماعات عن بعد، وإيقاف وسائل تحضير الدوام، والعمل من المنازل، والطلب المتزايد على معدات الحماية الشخصية، وتغيير في السياسة الائتمانية، وإعادة جدولة الديون، وتقديم المعونات والمساعدات، ورفع نفقات التطبيب. فما كان غير مقبولاً سابقاً أصبح طلباً ملحاً حالياً.. ومستقبلا أيضاً.

 

الثقافة التنظيمية تعد شفرة فريدة لكل منظمة، ويمكنني تمثيلها بـDNA تختلف من منظمة إلى أخرى ولا يمكن استنساخها، وبالتالي تعد ميزة تنافسية يمكنها أن تجتذب المواهب أو تنفرهم، ترفع أو تدمر، وتعد الثقافة التنظيمية هي أرض القادة فإذا سقطت فقد القائد أرضه الذي يلعب فيه، وفقد على إثرها جنوده، وفقد مكانته بطبيعة الحال. لذا يتعين على القادة العمل بشكل حثيث على بناء ثقافة تنظيمية إيجابية ودافئة قائمة على الثقة والشفافية والاحترام، وتصميم بيئة عمل منتجه، والحد من تشكيل التنظيمات غير الرسمية والصراع الوظيفي وتعارض المصالح والسلوكيات السلبية.

 

تجدر الإشارة إلى أن الثقافة التنظيمية تعرف بأنها: مجموعة من السلوكيات، والمعتقدات، والقيم الفردية أو الاجتماعية، التي تعتمدها مجموعة من الناس في بيئة معينة، أو في شركة أو مؤسسة ما، وهي بمثابة دستور أخلاقي، يصهر السلوكيات والتصرفات داخلها في نمط سلوكي موحد، فيجعل لغة السلوك فيها لغة واحدة مشتركة، بحيث يوجه لخدمة رسالتها وغايتها، وخدمة المجتمع الذي تعمل فيه.

 

 التوجه الثالث: إدارة المواهب

أظهرت الأزمات المتلاحقة هشاشة الدعاوى المتفاخرة بكفاءة الجهاز الوظيفي والقوة البشرية الموجودة، ليس لعدم كفاءتها ولكن لعدم تحضيرها وتجهيزها للتصدي للأزمات والمستقبل، يقول دوغ كونانت: " للفوز في السوق، يجب أن تفوز أولاً في مكان العمل"، فالموظف يدخل في عجلة العمل اليومي والروتيني ولا يخرج منه مادام يقوم بواجباته الوظيفية المرسومة في بطاقة وصفه الوظيفي فالوقت غير مناسب لتدريبه لأنه سيوقف عجلة العمل.. فهل هذا المبرر منطقي وكاف؟، ولكن لنتساءل ماذا حصل عندما أتى الوباء؟. الإجابة بكل بساطة توقف كل شيء عن العمل، واحتارت العقول وتساءلت ما الحل؟، واتجهت العيون صوب أولئك الموظفين ولسان الحال يطالبهم بتطبيق أفكار جديدة حول طرق عمل جديدة لم يتم السماح حتى التحدث عنها في الزمن الماضي القريب، إضافة إلى استخدام تقنيات جديدة لم يتم تدريبهم عليها!

 

يجب أن تهتم المؤسسات بأهم أصولها وهي القوة البشرية المحركة لها، والتي على أكتافها تقودها إلى النجاح وتحقيق غايتها، يجب أن تدار مواهب المؤسسات من خلال استثمارها بشكل صحيح وسليم والتي ستعود عليهم نتائجها بشكل مبهربلا أدنى شك، ليس فقط بتزويدها بالمهارات المطلوبة لأعمالها فقط، وإنما يجب إعادة تشكيل مهاراتها وقدراتها وجداراتها من خلال مواكبة متطلبات العصر عبر عمليات التدريب والتوجيه والإرشاد وبناء القدرات والتمكين والتمتين، واشراكها في اتخاذ القرارات، وسماع آرائها ومقترحاتها لأنهم المطلعين على تفاصيل العمل بشكل دقيق، كما يجب أن يعاد تصميم العمليات وتبسيطها وجعلها أكثر فاعلية وكفاءة وجودة، وإثراء الوظائف لتصبح أكثر قيمة وإنتاجية ومتعة، وتحويل مكان العمل إلى مكان آمن وممتع يساعد في تحقيق الاندماج والمشاركة.

 

 التوجه الرابع: تكنولوجيا الموارد البشرية

لما تمثله المعلومة من مصدر قوة في الأساس، كان نتاجه نقلة ثورية في نظم وتكنولوجيا المعلومات هو الأمر البارز في هذا العصر، حيث دخلت التكنولوجيا في جميع مجالات الحياة ولم تترك مجالاً إلا وتغلغلت بجذورها فيه. فقد غيرت معالم العالم والتجارة والاقتصاد والسياسة وموازين القوى والتأثير كذلك. بخلاف ظهور مصطلحات جديدة على الساحة مثل البلوك تشين، والبيج داتا، والذكاء الاصطناعي،والأمن السيبراني، والمحافظ الإلكترونية، والعملات الرقمية، والتعدين الإلكتروني، والهاكر الأخلاقي، والمنصات الإلكترونية والاجتماعية، والسحابيات، والكثير من المصطلحات التي أثرت اللغة بمسمياتها وتعاريفها الجديدة، والتي تكاد تصيبنا بموجة أمية جديدة في حال لم نلحق بالركب، ونفهم ما تعنيه هذه الأمور وما هو تأثيرها على حياتنا.

 

ولن أنسي أنه استوقفني مفهوم عملية ربط الشهادات الإلكترونية المحمية بتقنية البلوك تشين بحيرة شديدة تتطلب من خبير ان يشرحها لي ببساطة لطالب في المرحلة الابتدائية لكي أفهمها أو أعيها على الأقل، أو أقف متعجباَ ومتحسراً على ذلك الذي يكاد أن يخسر ثروته التي تقدر بمئات ملايين الدولارات لأنه نسي كلمة سر محفظته الإلكترونية الخاصة بعملات البيتكوين، أو ذاك الذي اشترى بألاف عملات البيتكوين وجبة بيتزا في بداياتها والتي تساوي حالياً ثروة مهولة.

 

لا ننسى بأن تكنولوجيا المعلومات فتحت أفاق جديدة في عالم الأعمال والمال بتسخير هذه التكنولوجيا في صالحها في إدارة أعمالها وتحقيق المنافع منها والذي أصبح سمة العصر. ولا ننسى بأن الموارد البشرية يجب أن تأخذ حقها في مواكبة هذا الركب من خلال تطوير أنظمة معلومات الموارد البشرية لتبسيط وتسهيل عمليات الموارد البشرية، وتكاملها مع بقية الأنظمة المؤسسيةERP، وتحقيق مبادئ الحوكمة على عملياتها،والتحول من العمليات التشغيلية النمطية إلى التحول الإستراتيجي في صنع القرارات المتعلقة بإدارة المواهب من خلال تطبيقاتArtificial intelligence  Data analysis &، وإدارة الأداءPerformance Management القائمة على التحليل الموضوعي وغير المنحاز، والمستند على البيانات ومؤشرات الأداء  KPIs كما نجده في نظامkippy.cloud  والذي يوفر أدوات جيدة في بناء ومراقبة مؤشرات الأداء لفرق العمل تساهم في تحقيق أهداف المؤسسة وتضمن العدالة في الاعتراف بجهود الموظف، وقدرة قيادة المؤسسات من الاطلاع المباشر والفوري على التقارير المطلوبة بشكل بسيط وعملي في أي وقت وأي مكان بفضل السحابيات، للتمكن من اتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت الصحيح وتحقيق الكفاءة والفاعلية المؤسسية وزيادة الكفاءة الإدارية والقيادية.

 

 التوجه الخامس: التواصل والتدريب الإلكتروني

بالنظر إلى نتائج ما وفرته التكنولوجيا من بنية تحتية مثيرة للدهشة والإبهار، وتقريب المسافات وإذابة لكل الحدود والعوائق التي كانت سابقاً. نجد أثر ذلك ظهر جلياً في النزاع العالمي المحموم، والذي ترأسته كل من الصين وأمريكا بشأن تشغيل الجيل الخامس من الاتصالات، وما دار في فلكه من قيود دوليه على جميع الدول أدى إلى أزمات سياسية واقتصادية، ويعد هذا دليل على مقدار تأثير هذا الأمر على مستقبل العالم القريب والذي سيدخل عالم إنترنت الأشياء والمعتمد على الاتصالات في جميع مجالات الحياة.

 

إضافة إلى ما سببته جائحة كورونا من تطبيق قواعد صارمة لسياسة التباعد الاجتماعي في جميع أنحاء العالم، كل ذلك أثر على كثير من الأنشطة والتي كانت تمثل حتى وقت قريب صناعات مزدهرة والتي فجأة أصبحت في خبر كان، وفي الطرف الآخر نجد العديد من الشركات التقنية التي أصبح مؤسسيها في قائمة أغنياء العالم بسبب ابتكاراتهم في تقنيات اتصالات التي أسهمت في ربط العالم كله ببساطة وبكلفة شبه مجانية. فقد سهلت لمؤسسات الأعمال من عقد اجتماعاتها وتسليم أعمالها وإدارتها ومشاركتها وتتبعها ببساطة وكفاءة وفاعلية، وبالتالي الانتقال إلى مفهوم إدارة الأعمال عن بعد بدلاً من مفهوم الحضور الفعلي لمقرات العمل، والتي أصبحت مفضله كثيراً كونها وفرت الكثير من الأموال ومساحات العمل والنفقات التشغيلية، إضافة إلى أنها وفرت للعاملين المرونة والراحة مقابل لذلك.

 

هذا الأمر يؤكد على أن القيادات يجب أن تحزم أمرها، وتطور قدراتها بشأن الموائمة بين الأدوار الجديدة للعاملين وبيئة العمل التي فرضها الواقع، وأن يكون لديهم منظور جديد للعمل مع واقع جديد ضمن مصطلح أطلق عليه جاك ويلش: "كيف تدير فريق من العباقرة والمتشردين واللصوص" إشارة منه إلى كيف تتابع منجزات فريق العمل صعبي المراس في الأوقات الصعبة.

 

إضافة إلى النتائج الكارثية التي أصابت قطاع السفر والتدريب والتعليم بسبب سياسات التباعد الاجتماعي، أبرزت هذه المعضلة فرصة من رحم المعاناة وهي "التعليم والتدريب عن بعد" من خلال توفر المنصات التعليمية المختلفة على سبيل المثال لا الحصر: إدراك، رواق،edx، Udemy،Coursera،Voxy ، Alison، وغيرها الكثير والتي أصبحت الخيار الأفضل من حضور الفصول الدراسية أو قاعات التدريب، بحيث توفر التعليم والتدريب المباشر أو المسجل وفق مساقات تدريبية معترف بها ومن خبراء في مختلف أنحاء العالم، وفي أي وقت يتناسب مع المتدرب وبكلف تصل إلى المجانية. ذلك كله غير مفاهيم التدريب والتعلم والتي يمكن الحصول عليها عبر أي جهاز مرتبط بالإنترنت أكان موبايلاً أم حاسوباً وفي أي وقت، والتي ستعزز من المسار المهني والعلمي للمتدرب، إضافة إلى تخفيض كبير في نفقات التدريب الأخرى عما كان عليه سابقاً. ولهذا لم يعد هناك ما يعيق تدريب الأفراد وتطوير قدراتهم، في المقابل يجب على المؤسسات توفير وكل التسهيلات اللازمة لرفع كفاءة مواهبها قبل أن تضرب العاصفة من جديد وبشكل غير متوقع.. فالأمر يستحق.

 

 وقبل الختام ربما لم أتطرق لبعض التوجهات الأخرى واكتفيت بأبرز 5 توجهات أساسية وذات أثر كبير ومباشر على نجاح المؤسسات والتي حري بها النظر إليها كأولويات في خططها القادمة، فلم يعد بالإمكان غض النظر عن أهمية أدوار إدارة الموارد البشرية، بل أصبحت إدارة الموارد البشرية هي السند الفعلي على المستوى الاستراتيجي كونه المعني بإدارة الأصول الأكثر أهمية وقيمة للمؤسسات وهو رأس المال الفكري والبشري.

مهيب عبد الرحمن الحكيمي      مستشار ومدرب في مجال التطوير المؤسسي والموارد البشرية