ثورة المشاريع الصغيرة وهل هي أفضل من المشاريع الكبيرة؟

ثورة المشاريع الصغيرة وهل هي أفضل من المشاريع الكبيرة؟

ثورة المشاريع الصغيرة وهل هي أفضل من المشاريع الكبيرة؟


 
تنطبع الشعوب عادةً بما يعتاده الناس، فكل معروف مألوف كما يقال، هكذا هي سُنة الحياة المتجددة، حيث سرى عنصر التقليد كمنهجية أساسية للحياة خلف من ورائه خلف، تتقاطر الممارسات في مصفوفة متوالية لعقود وربما لقرون، والنتيجة معروفة ومألوفة كذلك، واقع متناقض نحن كعرب ومسلمين نتقاتل على التخلف، وعالم آخر يتسابق على التقدم، ثنائية لا تقبل المقارنة بين من يستبقون للخلف ومن يركضون للأمام للقبض على الزمام. يا لها من ثنائية قاتلة.

 

شاع مؤخراً وبتنا نسمع مركبات لفظية مثل: "علم الجهل"، "فن الإخفاق"، "صناعة التخلف" و "الاقتصاد السلبي" – سنخصص لها مقالا في الأعداد القادمة للحديث عنها وإبراز علاقتها بالأطر التفكيرية لنا-.

ثمة من يقول لم تعد تلك الفلسفات الفكرية تجدي في ظل عالم الثابت الوحيد فيه هو التغير.

 

وفي ظل ما يشهده العالم من صراع الظل المتمثل في حِدّة المنافسات والسعي للاستحواذ يبدو أن الفلسفة البنيوية قد ولت من غير رجعة فالبنى الكبرى التي كانت تشكل الفكر والإنتاج ومن رحمها ولدت المصانع العملاقة التي كانت بمثابة الثورة وأحدثت انقلابا كونيا متعدد الأبعاد أصبحت اليوم تتشظى وتشهد تفكيكاً ممنهجاً، إن الفلسفات المعاصرة ألقت بظلالها على البعد الاقتصادي وما نشهده اليوم من واقع  تملؤه الصراعات الاقتصادية الغير منظورة فما بعد البنيوية الأولى والثانية برزت التفكيكية في أقوى صورها وشكلت النقيض الأيكولوجي للبنيوية، في ظل هذا الواقع وما تخلله من ثورات متعددة: تقنية وبيولوجية، كالذكاء الاصطناعي والنانو تكنولوجي ..الخ، لم يعد التوقف ممكنا، فمن توقف سحقته سيرورة الأحداث والحياة.

في دنيا المال والأعمال قد يسأل مشدوه ما الأنسب لواقع كهذا ؟

سؤال وجيه ويرسم ملامح الأعمال في الألفية الثالثة والعقد الثاني منها على وجه التحديد، المتتبع للواقع والمتمعن فيه قد يصاب بدوار سرعة الأحداث حتى التوقعات أحيانا لا نستطيع ملاحقتها، نسمع عن رؤوس أموال عملاقة مليارات الدولارات وربما تريليونات لكن لا نشهد لها أثراً ملموسا أو كيانات مادية ضخمة كما كان في القرن العشرين، ما أنتجته التقنية من استثمارات ضخمة لم تعتمد على منشآت ومباني شاهقة إنها ثورة استثمارية قد تكون في كانتون صغير وربما كشك في شارع ما.

الرأسمال الحقيقي في واقعنا الحالي هو الفكر المتجدد المتقد والخيال العملاق، والتفكير خارج القطيع، كل ذلك منطلق للنمو والازدهار المنشود وموئل المشروعات الصغيرة.

 

إن المشروعات الصغيرة قليلة العمالة باتت هي الأنسب في هذا المضمار.. فالمتتبع  اليقظ يدرك أن كثيراً من الاقتصاديات العالمية المرموقة اتجهت صوب تشجيع المشاريع الصغيرة كثيفة الإنتاج وأحدثت من خلالها نهضة حقيقية أسست مداميك اقتصادية عملت على تقليص البطالة ومحاصرة الفقر، تتجلى كثير من التجارب الناجحة في هذا السياق لترسم لنا ملامح المستقبل القريب الذي قد يصعب التنبؤ به للوهلة الأولى، لكن من يفكر خارج القطيع يدرك حجم الفرص الاستثمارية المتاحة التي ربما تكون غائبة وليست ذات جدوى حالية، ليست تلك الأعمال التقليدية التي ترتكز على الأفكار المقتولة بالتقليد هي المشروعات الصغيرة التي نقصد، ويمكن أن نستلهم هوية تلك المشروعات الصغيرة والمنشودة من مقولة مشهورة للرئيس  السادس للولايات المتحدة الأمريكية جون آدامز حين قال: (إنْ كانت أفعالك تلهم الآخرين ليحلموا وليتعلموا أكثر ولينجزوا أكثر فأنت هو قائدهم الحقيقي).

من هذه الفلسفة تنشأ المشروعات الصغيرة التي تحدث تحولاً حقيقيا في الواقع، والتي يمكن تلخيصها بأنها كل مشروع رائد ولد من خارج القطيع وخلق له سوقه ومردود من حيث لا يتوقع الآخرون.   

للمقال بقية ...


بقلم / د. عبدالفتاح سالم الغساني

مدير مركز البحوث والدراسات والاستشارات

التنموية بالجامعة الوطنية