أثر حوكمة الشركات اليمنية على سياسة توزيع الأرباح

أثر حوكمة الشركات اليمنية على سياسة توزيع الأرباح

أثر حوكمة الشركات اليمنية على سياسة توزيع الأرباح

 

بقلم/ عبدالملك مهدي - مستشار إداري لأنظمة الجودة

في ظل اهتمام الشركات والبنوك اليمنية وما توليه من أهمية لتطبيق معايير الحوكمة الرشيدة، التي أثبتت فاعليتها في الكثير من المؤسسات والبنوك والمجموعات التجارية والشركات العائلية خصوصاً منذ عقود، ووفقاً للمصادر البحثية التي سعت بعض الدراسات من خلالها إلى معرفة طبيعة تأثير حوكمة الشركات والبنوك على سياسة توزيع الأرباح، حيث تم الأخذ بخصائص مجلس الإدارة كمتغيرات للحوكمة، كون هذا الأخير هو المسؤول عن تحديد سياسة توزيع الأرباح، وعنت تلك الدراسات بقياس أثر تلك المتغيرات على توزيع الأرباح المعبر عنها بمعدل توزيع الأرباح، وبعد أن تم تطبيق إحدى تلك الدراسات في مجموعة من الشركات والبنوك اليمنية، توصلت الدراسة إلى وجود تأثير عكسي ذو دلالة إحصائية لاستقلالية مجلس الإدارة على توزيعات الأرباح، بينما لا يوجد تأثير لباقي المتغيرات (حجم مجلس الإدارة، الفصل بين منصب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي، ملكية الأعضاء لأسهم الشركة) على توزيعات الأرباح.

ويجدر الإشارة هنا إلى أن الدراسة قد استهدفت البحث في ظاهرة إدارة الأرباح، واستكشاف مدى ممارستها من قبل الشركات الصناعية والتجارية المساهمة العامة اليمنية، وأثرها على سياسة توزيع الأرباح وانعكاسها على القيمة السوقية للشركات، سعياً للمساهمة في توعية المستثمرين ودفعهم لاتخاذ قرارات استثمارية رشيدة، والتعرف على مقدرة إدارة تلك الشركات على الموازنة بين أحدى أهم السياسات المالية (سياسة توزيع الأرباح) كمؤشر على الأداء المالي والقيمة السوقية كمؤشر على قرارات المستثمرين والمساهمين وذوي المصالح في تقييم أداء الشركة، وقد أجريت هذه الدراسة على عينة مكونة من (12) من الشركات والبنوك المساهمة العامة والصناعية ضمن بيانات سلاسل زمنية (Time Series Data) ذات طبيعة مقطعية (Cross Section Data).

وتم استخدام نموذج جونز المعدل (The Modified Jones Model) 1995 للتعرف على مدى قيام الشركات (عينة الدراسة) بممارسة إدارة الأرباح ومن ثم اختبار أثرها على سياسة توزيع الأرباح النقدية وعلى القيمة السوقية وكذلك أثر إدارة الأرباح على القيمة السوقية في ظل سياسة توزيع الأرباح.

وباستخدام اختبار الانحدار الخطي المشترك (Pooled Data Regression) بينت الدراسة أن الشركات المساهمة والبنوك اليمنية قد قامت بممارسة سياسة إدارة الأرباح، حيث بلغت نسبة الممارسة خلال فترة الدراسة 44%، كما توصلت الدراسة إلى عدم وجود أثر لإدارة الأرباح على سياسة توزيع الأرباح في حين توصلت الدراسة إلى وجود أثر ذو دلالة إحصائية لإدارة الأرباح على القيمة السوقية وكذلك لإدارة الأرباح على القيمة السوقية في ظل سياسة توزيع الأرباح.

وبناءً على تلك النتائج البحثية خرجت الدراسة بمجموعة من التوصيات كان من أهمها:

العمل على توعية مستخدمي التقارير المالية بشكل عام، والمستثمرين بشكل خاص، بآثار وانعكاسات ممارسة إدارة الأرباح على قراراتهم الاستثمارية.

بالإضافة إلى ضرورة توجيه المستثمرين للاستثمار في الشركات التي تتمتع بملاءة مالية عالية، وتدفقات نقدية موجبة، قد لا تعكسها سياسة توزيع الأرباح التي تسعى إدارة الشركات للحفاظ على استقرارها، حيث أن الشركات ذات السيولة المنخفضة تسعى لممارسة إدارة الأرباح لإخفاء عسرها المالي، وذلك من خلال الموازنة بين استقرار نسبة الأرباح الموزعة وجذب المستثمرين بالتأثير على سعر السهم وإظهاره بصورة غير حقيقية.

وتسعى مثل هذه الدراسات إلى إبراز الدور الذي تلعبه مبادئ حوكمة الشركات في اتخاذ قرار صائب من أجل توزيع أرباح الشركات على المساهمين أو احتجازها بغرض إعادة استثمارها في مشاريع مجدية، حيث وصل الباحثون في نهاية بحثهم إلى فرضيتين لتفسير العلاقة بين حوكمة الشركات و سياسة توزيع الأرباح، ولوحظ في الفرضية الأولى وجود علاقة طردية بينهما كلما كانت الشركة أو المؤسسة تمارس مستوى عالٍ من الحوكمة كلما مارس المساهمون الضغط على الإدارة من أجل توزيع الأرباح، والعكس في الفرضية الثانية كلما كانت حوكمة الشركة مرتفعة تزداد فيها رقابة تصرفات الإدارة ومن ثم تستخدم التدفقات النقدية في مشروعات كفؤة، مما يقلل من فرص توزيعها على المساهمين، وهو يتحقق من خلال ممارسة مبادئ حوكمة الشركات - من شفافية وافصاح صادق لقيم الربح- في اتخاذ قرار توزيع الأرباح.

وهو ما يستوجب من الملاك والمساهمين الالتزام بتطبيق سياسة توزيع الأرباح وإبراز أهميتها باعتبارها من القرارات الإستراتيجية في المؤسسات التجارية والصناعية والبنوك، وفق العوامل والاعتبارات التي تحكمها وتحددها والتي ينبغي أخذها بعين الاعتبار مثل تكلفة الضرائب، ومدى توفر السيولة على مستوى المؤسسة لتغطية توزيع الأرباح، وهذا ما جعل تلك السياسات تثبت فاعليتها رغم ما أوجدته فرضياتها من جدل واسع بين الباحثين والمنظرين.

ولعل أهم ما أثبتته الدراسة هو أثر الحوكمة على سياسة توزيع الأرباح، باعتبارها الحكم الفاصل في التعارض الحاصل بين مصالح المساهمين والإدارة، حيث تعبر الحوكمة عن مجموعة من الآليات الرقابية على المؤسسة التي من شأنها خدمة كل الأطراف الفاعلة في المؤسسة.

 

 

 وقد استخدم الباحثون أسلوب تحليل المسار أحادي الاتجاه لتحليل التأثير المباشر وغير المباشر لحوكمة الشركات على التوزيعات النقدية للأرباح، ويعد ذلك إضافة مهمة للبحث، إذا أن أهمية تحليل التأثيرات المباشرة وغير المباشرة تنبع من أن التأثير المباشر ينطوي على تأثير محتمل لضعف أو قوة الحوكمة على التوزيعات النقدية، وبذلك فإن التأثير غير المباشر يقترح إلى أي مدى تؤثر جودة الأرباح على العلاقة بين نقاط ضعف أو قوة حوكمة الشركات والتوزيعات النقدية.

واتسقت النتائج بصفة عامة مع فرضية للنموذج البديل المطور من قبل

 (La Porta et al., 2000)، بمعنى أن الشركة في ظل ممارسات ضعيفة للحوكمة تفضل مدفوعات توزيعات أكبر، حيث وجد الباحثون دليلاً اختبارياً للمسار المباشر بين حوكمة الشركات والتوزيعات النقدية، والمسار غير المباشر من خلال جودة الأرباح تحديدا باستخدام تحليل الانحدار.

ومن خلال ما سبق يمكننا القول بأن تأثير حوكمة الشركات والبنوك على سياسة توزيع الأرباح لا تتأتى إلا بوجود عوامل رئيسية أهما:

وجود علاقة دالة بين الملكية الجماعية والملكية المؤسسية، تكوين مجلس الإدارة متضمناً حجم المجلس استقلالية المجلس وازدواجية دور المدير التنفيذي الأول كآليات لحوكمة الشركة والتوزيعات النقدية.

وجود علاقة دالة بين استقلالية المجلس وازدواجية دور المدير التنفيذي الأول، كآليات لحوكمة الشركة، والاستحقاقات الاختيارية كمقياس عكسي لجودة الأرباح، حيث إن الاستحقاقات الاختيارية تنطوي على تأثير ذي دلالة على العلاقة بين كل من استقلالية المجلس وازدواجية دور المدير التنفيذي والتوزيعات النقدية، وهو ما يشير إلى وجود تأثير غير مباشر بوجود انخفاض في التأثير المباشر السالب والموجب على التوزيعات النقدية.

وبهذا يتأكد لنا من خلال الدراسة والتقصي بأن جودة الأرباح يمكن أن تلعب دوراً مهماً في الحفاظ على علاقات مجلس الإدارة ملاكاً ومساهمين بالإدارات التنفيذية، إذا ما التزمت الشركات والمؤسسات والبنوك التي تمارس الحوكمة بسياسة التوزيعات وفق الأسس التي وضعتها المعايير العالمية للحوكمة الرشيدة.