الإدارة في بيئة الفوكا VUCA التقلب وعدم اليقين والتعقيد والغموض

الإدارة في بيئة الفوكا VUCA التقلب وعدم اليقين والتعقيد والغموض

الإدارة في بيئة الفوكا VUCA التقلب وعدم اليقين والتعقيد والغموض

 

 

د. رائد بن أحمد العبدلي

تشهد بيئة الأعمال اليوم الكثير من الصعوبات التي خلّفتها التغيرات السياسية والاقتصادية والبيئية، ولم يعد الاحتماء بالعلامة التجارية أو الخبرات التراكمية يجدي نفعاً، كما أن التغيرات الرقمية المتسارعة عجّلت بظهور بدائل منافسة قوية بحجم سقف التطوير الحاصل في العالم.
تلك التقلبات أثّرت سلباً على المؤسسات بكافة أحجامها وبالتالي على الاقتصاد وتحتاج إلى دراسة عميقة تقوم على منهجية واضحة تسبر أغوار إدارة الأزمات، وتمنحها قوة لمواجهتها في المستقبل.
فالحفاظ على استمرارية العمل والحفاظ على العملاء والحصة السوقية والسمعة المؤسسية حاجة ملحة تستوجب البحث عن طرق إدارة البيئة الصعبة أو التأقلم معها بما لا يؤثر سلباً على الكينونة المؤسسية.
تعتبر الفوكا
vuca منهجية إدارية لتلك البيئات الصعبة تمنح القيادة الإدارية القدرة على التعامل مع تلك الأعراض وكيفية تجاوزها.

الفوكا (VUCA) منهجية إدارية ابتكرها الجيش الأمريكي بعد الحرب الباردة لمواجهة الوضع المتقلب آنذاك، ومنها تم تطويرها لموائمة الأعمال المدنية أيضاً، لمواجهة التقلبات الديناميكية في بيئة الأعمال ولتوفير إطار تحليل استراتيجي في عالم سريع التغير.

مصطلح ڤوكا (VUCA) هو اختصار يُستخدم لوصف أو عكس ظروف عامة وحالات من التقلب وعدم اليقين والتعقيد والغموض، والذي ظهر في كلية الحرب الأمريكية لوصف حالة التقلب وعدم اليقين والتعقيد والغموض المتزايدة في عالم متعدد الأطراف نتج عن نهاية الحرب الباردة، وبدأ الاستخدام الدارج لتعبير ڤوكا (VUCA) في التسعينات ونشأ من أدبيات عسكرية.

لقد استُخدم التعبير بعد ذلك في مجال الأفكار الناشئة في مجال القيادة الاستراتيجية التي تنطبق على مجال واسع من المنظمات، شاملاً كل شيء من مجال الشركات الربحية إلى مجال التعليم.

ونحتاج إلى التعرف على بيئة الفوكا كقيادات إدارية لتُسهّل علينا عمليات اتخاذ القرار ولا نتفاجأ بالأحداث المحيطة بالمؤسسة، كما أن ذلك يساعدنا على التخطيط الصحيح لأعمالنا وتفادي الفجوات المعيقة للإنجاز.

يُستخدم المعنى العميق لكل عنصر من عناصر الڤوكا (VUCA) لتحسين الدلالة الاستراتيجية للتبصر والاستبطان وكذلك سلوك الجماعات والأفراد في المنظمات، كما تُنَاقش أيضاً فشل الأنظمة والفشل الناتج عن السلوك، والتي تعتبر من خصائص الفشل التنظيمي.
يعبر مصطلح عالم الفوكا عن مفهوم البيئة التنظيمية التي تعاني من الأزمات والصراعات، وبالتالي تكون بيئة صعبة للانقياد أو الإدارة، وتم التعبير عنها بأربعة مواصفات رئيسية وهي:
1. التقلّب
Volatility
2. العشوائية أو عدم القدرة على التنبؤ أو التأكيد
Uncertainty
3. التعقيد
complexity
4. الغموض
ambiguity

كما تُعد البيئة التنظيمية الداخلية والخارجية للمؤسسات أحد أهم العوامل المساعدة للنجاح المؤسسي، وعليه يجب دراستها بالشكل الصحيح بما يُمكّن القيادة المؤسسية من اتخاذ القرار الصحيح.

لذا تُعاني مؤسساتنا العربية وتحديداً اليمنية من الكثير من التحديات والصعوبات التي تضعها ضمن إطار الفوكا القيادي، وبالتأكيد تحتاج تلك المؤسسات على مختلف مساقاتها إلى التدريب والتعليم المستمر لتحقيق التطوير الذي تنشره الإدارة، وتركت سنوات الصراع الكثير من الآثار التي ترتب عليها توقف معظم الأعمال، وإعادة ترتيب البعض الآخر، ومن تلك الأسباب التي شكّلت الفوكا لدينا في مؤسساتنا العربية التالي:

·      الصراع السياسي الذي بدوره شكّل الصراع الاقتصادي وأعاد ترتيب بنيوية الكيان الاقتصادي.

·      الحصار الاقتصادي لبعض الدول وارتكاز الأسواق على أسواق بعينها لتزويدها بمنتجات مما شكل انحسار الإنتاج المحلي، وهذا أيضاً بسبب انعدام ممكنات الإنتاج.

·      هجرة العقول ذات الخبرة وهجرة المؤسسات الكبيرة اأيضاً كان له دور في تحمل المنافسين الصغار دوراً أكبر من قدراتهم.

·      الزيادات الجمركية والأتاوات الغير محسوبة التي شكّلت ثقلاً غير محسوب

·      التقطعات والاضطرابات الأمنية.

وغيرها الكثير مما يختلف تأثيره من بيئة إلى أخرى، وتقف القيادات الإدارية تبحث عن الحلول القطعية وليس فقط المعالجات اليومية، وهذا ما يقدمه مفهوم وفلسفة الفوكا.

تتوقع عالم فوكا العوامل التالية التي تشكل الاضطرابات التنظيمية أو البيئة التنظيمية الصعبة:

·      Volatility” وتعني التقلّب وهو تعبير عن طبيعة وديناميكية التغير غير المنضبط، أو غير المتوقع، وهذا التقلّب يُشكل تحدياً على العمل المؤسسي، وقد يكون متوقعاً ولكنه غير منضبط يحتاج منا توقع حدوثه، والتعرف على مسبباته.
يُعبر مفهوم التقلبات عن ديناميت التغيير المؤسسي داخل المؤسسات كما أنه أيضاً تعبير عن طبيعة سرعة تلك القوى المغيرة ومحفزات التغير وغالباً ما تمر المؤسسات الكبيرة بمنعطفات تنظيمية بسبب التقلبات الكثيرة، ومنها التغييرات القانونية والتقلبات السياسية والاقتصادية وهذا ما يجعلها عرضة للمخاطر أكثر من غيرها، بينما المؤسسات الصغيرة والمتوسطة يسهل قيادتها لسهولة الوصول إلى أعماقها التنظيمية، ومن أمثلة ذلك بيئة العمل أثناء انتشار جائحة كورونا في العام 2020م كيف احتاج العالم إلى تحقيق منهجية إدارية لمعالجة وضع استمرارية الأعمال في حالة الانتشار.

·      Uncertainty” وتعني الغموض، ويُقْصَد بها وجود حالة من القصور في إمكانية التوقع، وتزيد فيه عوامل المفاجأة، ومدى استشعار الإلمام والفهم للمواضيع والأحداث، وتكون هذه الحالة مزرية للمنظمات العاملة في بيئة غير مستقرة بيروقراطية تعمل وفق أهواء القادة، لذا تكون عناصر الغموض عالية فيها، لعدم وجود نظام مؤسسي تسير عليه ويصعب التنبؤ بأفكار وقرارات الأفراد، كما أن التغيرات القانونية والاقتصادية السريعة تظل هاجساً يؤرّق قيادات التغيير، وهنا تكون حالة الغموض أيضاً عالية ويصعب التنبؤ بالوضع الصحيح، لعدم كفاية المعلومات.

·      Complexity” وتعني التعقيد فالتعقيد الحاصل في إجراءات العمل، ويقصد بها تعقيد القوى، كما يمكن اعتبار اختلاط القضايا تعقيداً في بيئة العمل، وعدم وجود سلاسل واضحة من السبب والأثر والارتباك الذي يحيط بالمنظمة، فحالة التعقيد الحاصلة في بيئة الولاءات المتعددة للأفراد في المؤسسات يجعل الإجراءات معقدة ولذا يحتاج أن يعمل القائد على التعرف على بيئته وتسييرها وفق إجراءات عمل واضحة ومحددة.

·      Ambiguity وتغني الغموض، فغموض الواقع يسبب قابلية سوء الفهم، فتختلط المعاني وتشوش العلاقة بين السبب والأثر لأن الغموض في البيئة يسبب غموض في المعلومات وبالتالي غموض في القرارات، فلا تكون صحيحة بالتالي تحتد العلاقة بين المؤسسة والواقع بسبب الغموض فتقع في فخ التخبط، والعمل وفق التكهنات لا المعلومات لذا تفشل ويعجز الفريق عن العمل.

هنا توضّح عناصر الفوكا الطريقة التي تنظر بها المنظمة لواقعها ومستقبلها، كما تصف حدود التخطيط والسياسات الإدارية، وتأتي مجتمعة بأشكال تساعد على اتخاذ القرارات الصحيحة، وصقل مهارات التخطيط واستشراف المستقبل ويرشدنا مفهوم الڤوكا (VUCA) إلى المراحل التي نحتاجها من أجل النجاح في الإدارة والقيادة.

ويرتبط المعنى الخاص بمفهوم الڤوكا (VUCA) بكيفية رؤية الناس للظروف التي يتخذون خلالها القرارات من أجل التخطيط الاستراتيجي وإدارة المخاطر وقيادة التغيير وقرارات حل المشكلات.

عموماً فإن مقدمات الڤوكا (VUCA) تميل إلى أن تشكل مهارات منظمة ما، وذلك من أجل:

• توقع الأمور التي تتشكل تبعاً للظروف.

• فهم عواقب الأمور المتنوعة.

• تقدير الترابط بين المتغيرات.

• الاستعداد للوقائع البديلة والتحديات.

• تفسير وتحديد الفرص.

لذا يتطلب من المنظمات المعاصرة سواءً في مجال الأعمال ومنظمات المجتمع المدنية والمجالات الحكومية وغيرها تطوير تصوراتها حول بيئة الڤوكا (VUCA) ورفع مستوى الوعي والجاهزية لتحقيق التميز الإداري والقيادي.

التقييم المستمر لبيئة العمل مهم ولكنه ليس كافياً بل يجب التعلم من الإخفاقات، وتدريب القادة الإداريين لرفع كفاءاتهم الأساسية، كما أن التقييم يساعدنا على تحديد العوامل الأساسية التي تستوعب إمكانية التحمّل والتأقلم في مختلف الظروف، وهذا ما يميز القادة المحتملين من المدراء العاديين، ويمكن قياس القدرة لدى الأفراد والمنظمات على التعامل مع الڤوكا (VUCA) من خلال عدد من قوالب العمل التالية:

• إدارة المعرفة والحساسية.

• التخطيط واعتبارات الجاهزية.

• إدارة العمليات ونظم الموارد.

• الاستجابة الوظيفية ونماذج التأثير.

• الانتعاش وممارسات التطور.

• الفشل النظامي.

• الفشل السلوكي.

وفي نفس المستوى قدرة الإدارة طبقاً لمفهوم الڤوكا (VUCA) نجد أن القيادة تعتمد على منظومة قيم مؤسسية وافتراضات وأهداف طبيعية والمؤسسة المُعدة وذات العزيمة ترتبط بمهام استراتيجية واعية وتفعل قوى الڤوكا (VUCA).

تطوير قدرة قيادة المنظمات بمفهوم الڤوكا (VUCA) في المجالات الاستراتيجية وفي تشغيل الفرق تعتمد على العقليات المتطورة جيداً من أجل قياس الوقائع التقنية والاجتماعية والسياسة السوقية والاقتصادية للبيئة التي يعمل فيها الناس، والعمل مع مستوى أعمق من عناصر الڤوكا (VUCA) قد تكون المحرك للنجاة والاستدامة في عالم معقد بالفعل.

والقياس النفسي الذي يقيس الذكاء عن طريق تتبع معالجة المعلومات عندما تواجه بيانات غير مألوفة، وديناميكية وغامضة يمكن التنبؤ بالأداء المعرفي في بيئات لها طابع مفهوم الڤوكا (VUCA).

المراجع:

الإدارة في بيئة الفوكا، ويكيبيديا

FacebookTwitterWhatsAppLinkedIn