البناء المؤسسي باستخدام نموذج 7S McKinsey

البناء المؤسسي باستخدام نموذج 7S McKinsey

البناء المؤسسي باستخدام نموذج 7S McKinsey

 

مهيب عبد الرحمن سيف الحكيمي

[email protected]

 

شاركتُ في الأسبوع العالمي لريادة الأعمال كاستشاري في مجال البناء المؤسسي لعدد من الأفراد والشركات والمؤسسات والمنظمات، وكانت فرصة سانحة للتعرف عن قرب على كيفية إدارة الأفراد لمشاريعهم ونظرتهم المؤسسية لها ومستقبلها.

الشيء الذي لفت انتباهي بأن هناك الكثير لا يعرف عن البناء المؤسسي شيء، والقلة القليلة المثقفة تعتقد أنه رسم مجرد لهيكل تنظيمي يتربع على قمته هذا الشخص أو ذاك ويسكن في بقية مربعاته مجموعة من العاملين.

للأسف هذا الأمر مؤدي لشيئين لا ثالث لهما، الأول وهم الذين يركزون على الجانب التسويقي والبيعي ورفع العوائد، وبالتالي لسان الحال يقول: "ما دام المشروع قائم، ويحقق العوائد المطلوبة منه -في الأجل القصير على الأقل ويسير على البركة بشكل جيد- فلمَ نصدع رؤوسنا بكلام ما يجيب همه.. دعها فإنها مأموره!".

والأخر الذي لا يوجد لديه أي معرفة بأساسيات العمل المؤسسي وبالتالي غياب هذا المفهوم لديه كجانب أساسي واستراتيجي لأعمالهم ومشاريعهم ولا نريد أن نضيف فئة ثالثة فربما هم جزء من أصحاب الفئة الثانية ولكنهم الأشد ضرراً، فهم إما ممن يقللوا من أهمية هذا الأمر ويركزون على ما يبرعون فيه هم أنفسهم فقط، لعدم فهمهم وتحاشي مالا يعلمون فالإنسان عدو ما يجهل، أو أنهم ممن يتناولونه بشكل ناقص ومبتور ليظهر كمسخ غير قابل للتنفيذ وكلام تنظيري لا فائدة منه ويخلق تجربة سيئة لدى المتلقي ما يجعله يراها شراً لا يقترب منه لا من قريب ولا من بعيد.

في كل الحالات التي سبقت نجد بأن الأغلب لا ينتبه لأهمية بناء المؤسسة تنظيمياً إلا بعد أن يكون كما يقول المثل "وقعت الفأس بالرأس أو لزق في الحيط"، هنا تكون المعالجة صعبة ومعقدة والتدخل متأخر، والتكلفة للمعالجة مرتفعة ومؤلمة، في حين أنه لو أخذها في مرحلة مبكرة لكان أجدى له ووفر الكثير من العبء والمصاريف والتوتر الذي ينتج عن عدم وجود نظام مؤسسي صحيح وسليم وحساب الفرص الضائعة.

ولأهمية هذا المفهوم، سنخصص مقالتنا هذه لشرح هذا المفهوم في عالم الأعمال، كونه يعد أحد الركائز الأساسية للنجاح المؤسسي.

فبطبيعة الحال نجد بأن أي بناء يقوم على مجموعة من الأعمدة التي تقيم عموده وتجعله سوياً وقائماً بذاته، متماسكاً صلباً وراسخاً ضد أي اهتزازات أو مخاطر يمكن أن تحدق به لأن كل أركانه وأعمدته تسند بعضها البعض.

وتعد المؤسسات أو المنظمات بمختلف أشكالها وأنواعها ومجالاتها وأسمائها كيانات حيه تعمل في بيئات غير مستقرة سواء بيئتها الداخلية، أو الخاصة بالصناعة والتنافسية، أو العامة والمعروفة بأبعادها PESTEL، وبالتالي فإنها تؤثر وتتأثر بكل ما يحيط بها، لأن لكل منها طبيعة خاصة في تكوينها الداخلي يختلف تماماً عن مشابهاتها من المؤسسات، مثلما يحدث في التركيب البنيوي للخلية من وجود DNA - الشيفرة الوراثية – الذي يحدد أبعاد البناء الداخلي للمؤسسة والذي يصعب استنساخه من مؤسسة لمؤسسة للتطبيق.

أتى تطبيق نموذج 7S McKinsey، كأحد الأدوات الإدارية الاستشارية لزيادة الفاعلية المؤسسية، والتأكد من تكامل جميع عناصرها لتحقيق أهداف المؤسسة وغايتها التي وجدت لأجلها، وتحديد مناطق التحسين المطلوبة لتحقيق الفاعلية والكفاءة المؤسسية المنشودة.

طُور إطار العمل هذا كأحد ابتكارات شركة McKinsey & Company الاستشارية – والتي تحسب لها – من قبل الاستشاريين Tom Peters & Robert Waterman ، واللذان افترضا بأن الفاعلية المؤسسية لا تتم فقط بوضع هيكل القيادة والسيطرة الصحيحة لتحقيق استراتيجية المؤسسة، وأتى افتراضهم الأساسي على أن هناك عوامل أخرى إضافية تتفاعل فيما بينها تعد أساسية لتحقيق الفاعلية المؤسسية، تؤثر وتتأثر فيما بينها بشكل كامل، ويتطلب التنسيق فيما بينها للتركيز على أعمدتها وأحجارها السبعة جميعها دون إفراط أو تفريط، كونها مترابطة وأن أي تغيير في منطقة واحدة يتطلب الموائمة والتغيير في بقية المناطق لتعمل بشكل تكاملي، ولإنتاج سيمفونية رائعة الأداء تجمع جميع أصحاب المصلحة في المؤسسة ليعملوا بشكل تفاعلي وفعّال، من أجل تحقيق منظمة عالية الأداء.

تجدر الإشارة إلى أن هذا النموذج قد طُور في ثمانينات العقد المنصرم، كنتاج طبيعي لتطور الأعمال ومبادئ الإدارة والقيادة ومنهجيات التخطيط الاستراتيجي، وظهور عوامل إضافية يجب أخذها بعين الاعتبار بخلاف الجانب المالي والمادي كما حدث بالجيل اللاحق في التسعينات للتخطيط بتطوير بطاقة الأداء المتوازن ومناظيرها الأربعة والخرائط الاستراتيجية، وبالتالي أُدرج العنصر البشري كونه أساس العملية الإنتاجية، وبمختلف أبعاده كالمهارة والسلوك والقيم والقدرات التي تشكل الثقافة المؤسسية والمؤثرة على الفاعلية والكفاءة المؤسسية كذلك. ما زال يمكن استخدام النموذج كأحد أدوات التخطيط الاستراتيجي، والتغيير التنظيمي، كما يستخدم كأحد أدوات التقييم والتصميم والتطوير التنظيمي أو بما يطلق عليه OD.

 

مكونات نموذج ماكينزي 7S:

يتكون النموذج من 7 عوامل كلها تبدأ بحرف  S(Strategy, Structure, Systems, Staff, Skills, Style & Shared Values )، ترتبط مع بعضها البعض ارتباطاً وثيقاً كما في الشكل الذي يوضح العلاقات فيما بينها، ويعد من الطرق الممتازة لفهم كيفية ترابط العناصر في المؤسسة، وتحدد:

·      مدى توافق كل عامل بشكل فعّال مع بقية العوامل لتحقيق أهداف المؤسسة.

·      معرفة ما إذا كانت هناك عناصر مفقودة تحتاج إلى إعادة تنظيم.

·      تحديد الثغرات التي لم يتم أخذها بعين الاعتبار.

·      تحديد العواقب غير المقصودة من التغيير، وما يتطلب تغييراً في بقية العوامل حتى تعمل بفعالية واتساق واعتمادية وموثوقية.

وتنقسم العوامل إلى مجموعتين رئيستين كما يلي:

a)  Hard أو العوامل الصلبة:

تتموضع في أعلى الشكل، وتتضمن 3 عوامل وهي الاستراتيجية والهيكل والنظام، وتشكل البنية الأساسية للمؤسسة التي يمكن للإدارة التحكم فيها بشكل مباشر، وتتمثل بما يلي:

1.   Strategy أو الإستراتيجية:

خطة طويلة الأجل تحدد توجهات المؤسسة في تحقيق أهدافها وميزتها التنافسية وتحقيق الاستدامة والنمو، والخطوات التي سوف تتخذ لتحقيق هذه الأهداف.

2.   Structure أو الهيكل التنظيمي:

الإطار التنظيمي للشركة الذي يحدد الأنشطة والمهام، والتسلسل الهرمي للوظائف، وعلاقة الوظائف ببعضها، والمسؤوليات، وخطوط السلطة، ونطاق الإشراف، والصلاحيات لتحقيق الهدف الأساسي للمؤسسة.

3.   Systems أو النظم:

· السياسات واللوائح وأدلة العمل المنظمة للعمل في المؤسسة.

· والأنشطة والعمليات والإجراءات التي يشارك فيها الأشخاص للقيام بأعمالهم.

· الأنظمة البرمجية المستخدمة في أتمتة الأنشطة والعمليات والإجراءات.

b)  Soft أو العوامل اللينة:

تتموضع في الجزء السفلي من الشكل وقلبه، وتتضمن 4 عوامل وهي الموظفين ومهاراتهم وأسلوب القيادة إضافة للقيم المشتركة، وهي التي تكون الثقافة التنظيمية في الشركة والتي يحتاج المديرون إلى الانتباه لها والتأثير فيها بشكل غير مباشر، وتتمثل بما يلي:

4.   Staff أو الموظفين:

نوع وعدد المواهب من رأس المال البشري المطلوب لتحقيق أهداف المؤسسة، وكيف سيتم تعيينهم وتدريبهم وتحفيزهم ومكافأتهم لتحسين قدرات المؤسسة التنافسية.

5.   Skills أو المهارات:

المهارات والجدارات والكفاءات والقدرات التي يمتلكها الموظفين، والتي تحتاجها المؤسسة لتحقيق استراتيجيتها وتطبيق هيكلها التنظيمي.

6.   Style أو أسلوب القيادة واتخاذ القرار:

يمثل الأسلوب الطريقة التي تتم بها إدارة الأمور في الشركة، ويعكس الأسلوب تصرفات القادة في المؤسسة، وكيفية تعاملهم وتفاعلهم مع الأحداث واتخاذ القرارات، ويؤثر ذلك كله على تصرف بقية أفراد المؤسسة.

7.   Shared Values أو القيم المشتركة:

تمثل القيم المشتركة جوهر الاستراتيجية، وقلب النموذج الذي يربط جميع العوامل ببعضها، فهي تمثل الإطار الأخلاقي الحاكم للمؤسسة، والقواعد والمعايير التي توجه سلوك الموظف وتصرفات الشركة تجاه أصحاب المصلحة، وفي حال وجود خلل فيها فإن النموذج ينهار.

 

إن البناء المؤسسي ليس ترفاً يمكن التخلي عنه، ولكنه يعد أحد ركائز النجاح المؤسسي، وبدونه ستبقى مؤسساتنا كيانات هشة ضعيفة قابلة للسقوط عند أبسط هزّة تعترض لها في بيئة تحيط بها كل أنواع الاضطرابات شديدة التعقيد والغموض، في عالم أصبح فوكا هو صاحب الكلمة العليا والثقب الأسود المترصد لرأس المال وعدو الاستدامة.

لقياس مدى نضج البناء المؤسسي في شركتك يمكنك استخدام هذه الأداة لتقييم شركتك.