امبراطورية (موريتا)

امبراطورية (موريتا)

 

في بداية العشرينات جاء إلى الدنيا طفل ياباني، لأسرة يابانية ثرية شديدة الانفتاح على الحياة الغربية لكونها أسرة تعمل في التجارة لأكثر من خمسة عشر جيلاً..

وكما هو معتاد ولأن الشبل يشب في عائلة الأسود، تشرّب (موريتا) التجارة من عائلته حتى أن والده كان يجعله يحضر الاجتماعات وهو مازال في العاشرة من عمره..

وبدأ موريتا بتكوين خبرة هائلة في التجارة والتصنيع حتى تعلّم أموراً مهمة في بداية حياته: الإدارة -حيث كان يشرف على متابعة إدارة العاملين رغم سنه الصغير- وعمليات التصنيع والتجارة..

ثم بدأ الصبي الصغير بالتمرد!!

في أثناء مراحل تعليمه أعلن موريتا أنه ليس مهتماً بنشاط وتجارة عائلته وأنه يعشق الرياضيات والفيزياء، فالتحق بجامعة أوساكا اليابانية وحصل على درجة في الفيزياء، وأصبح مهتماً بشكل خاص بالتقنيات الحديثة وعلى وجه الخصوص تقنيات تسجيل الصوت..

إلا أن أحلامه كلها توقفت مع اندلاع الحرب العالمية الثانية التي شاركت فيها اليابان مع دول المحور، وتم تجنيده في البحرية اليابانية إلى أن انتهت الحرب وخلّفت وراءها دماراً هائلاً في كافة أنحاء اليابان..

وبمجرد انتهاء الحرب عمل موريتا في كلية طوكيو للتقنية، ثم أسس منظمة طوكيو للاتصالات والبحوث التي تستهدف بدء مشروعات إعادة البناء للصناعات والاتصالات في اليابان بعد الصفر..

وفي عام 1946م شارك مع صديق له على قدر من الذكاء في افتتاح شركة (طوكيو للاتصالات والهندسة) في محل صغير مهجور برأس مال مقداره 350 دولار..

كان العشرون موظفاً – قوام الشركة كلها – يقومون سوياً بإنتاج أشياء جديدة بجودة أعلى من أي منتج إلكتروني تقليدي..

حتى جاء العام 1949م ببدء التطويرات الجديدة فتم تطوير شريط تسجيل مغناطيسي، وجاء أول منتج في العالم قلب الدنيا كلها (آلة التسجيل)..

بدأ المنتج يُباع في اليابان إلا أن موريتا بحسّه الوطني وكبريائه بعد هزيمة اليابان صمم على غزو السوق الأمريكي بمنتجات فريدة غير مسبوقة لا يمكن منافستها، فجاء المُنتج الذي غيّر من مفهوم الخمسينات كله، وهو راديو بحجم الجيب.. وكان المنتج الأول من نوعه في العالم كله..

ومع توسع بيع المنتج قرر موريتا تغيير اسم الشركة إلى (سوني) ليكون اسماً تجارياً خفيفاً على الألسنة العالمية..

في الستينات اقتحمت سوني عالم البورصة، وبدأت في تطويرٍ سريعٍ للمنتجات، حتى توسّعت واستحوذت على عدة شركات أمريكية وأوروبية، وبدأت في دخول كافة الصناعات الإلكترونية، بدءاً من شاشات التلفاز، والأجهزة الذكية، إلخ...

وفي العام 1994م توفي موريتا وترك وراءه امبراطورية سوني العملاقة، بمئات المصانع والمقرات وما يقارب 400 ألف موظف، وأرباح سنوية تقدر بأكثر من 200 مليار دولار، وواحدة من أهم أعمدة الاقتصاد الياباني..

امبراطورية بدأت من محل صغير، وبحس وطني، ورغبة مؤكدة بالسيطرة على العالم بمنتجات ذات جودة عالية غير مسبوقة..