بيئة عمل سعيدة

بيئة عمل سعيدة

بيئة عمل سعيدة

بيئة عمل سعيدة

 

م. عبدالملك مهدي

ما هو المكان السعيد للعمل.. حسب آراء الموظفين؟

تُبنى أماكن العمل الرائعة من خلال علاقات العمل اليومية التي يعيشها الموظفون وليس من خلال قائمة البرامج والمميزات، وتعد الثقة بمثابة العامل المشترك الأكبر في هذه العلاقات، ومن جهة نظر الموظفين فإن المكان الرائع للعمل هو المكان الذي يشعرون فيه بثقة أرباب العمل والتي تنشأ من خلال مصداقية الإدارة والاحترام الذي يشعر به الموظف، وثمة عناصر أخرى جوهرية في خلق الثقة كفخرهم بتلك الإنجازات التي يصنعها الموظف بسعادة مع من حوله.

 

أبعاد ومعايير تحقيق «بيئة عمل سعيدة»؟

المصداقية:

تقيس المصداقية القدر الذي يرى الموظفون الإدارة صادقة ومقنعة وجديرة بالثقة، وذلك بتقييم إدراك الموظفين لممارسات الاتصال التي تجريها الإدارة، وأهليتها، ونزاهتها، وذلك من خلال الأبعاد الفرعية ضمن النموذج، وهي عبارة عن مدى فعالية التواصل فيما بين الإدارة والموظفين، وما إذا كان هذا التواصل مزدوج الاتجاه، وتشمل نتائج الاتصال الفعّال ثنائي الاتجاه كـ:

·      أن يكون الموظفون على علم بالعناصر التي تؤثر في نجاح بيئة العمل ومجموعة العمل التي ينتمي إليها.

·      أن يفهم الموظفون رؤية بيئة العمل وأهمية دورهم في تحقيق أهدافها، ويتمكن الموظفون من التركيز على عملهم، من دون الحاجة إلى تفسير أو فك شفرة المعلومات الواردة إليهم من الإدارة.

·      أن يستطيع الموظفون التعامل بشكل استباقي مع أي معلومات تثير الحيرة أو أي شائعات.

وهنا يُدرك الموظف أن سهولة الوصول إلى إدارة بيئة العمل يُسهم في إنشاء رابطة قوية بينها وبين الموظفين ويؤدي ذلك إلى تعزيز جسور التواصل بينهما، وبهذا يصبح الموظف الذي يتم تعيينه في بيئة العمل قادر على الإنتاج والعطاء بشكل سريع، بالتالي يبث المدراء ثقتهم في قدرة الموظفين على الاضطلاع بمسؤوليات وظائفهم، وتُتيح الفرصة للموظف لتولي مسؤوليات أكبر بحيث تمكّنه من خوض التحديات والارتباط بعمله بشكل أكبر، فتغدو الإدارة قادرة على بث رسالة مفادها أن لديها رؤية واضحة لتحقيق طموحات بيئة العمل وأهدافها، وأن تكون قادرة على إلهام الأشخاص المبدعين داخل بيئة العمل.

الاحترام:

يُقاس مقدار شعور الموظف باحترام الإدارة له، وذلك بتقييم مستويات الدعم والتعاون والرعاية التي يحظى بها الموظف في سياق تعاملات الإدارة معه، ومن خلال قيام المدراء بإعداد موظفين مرتبطين بالعمل متفانين في أدائهم ومتمتعين بتدريب جيد، وأن يثبتوا لهؤلاء الموظفين أهمية عملهم ومساهماتهم المهنية، فإذا تحقق ذلك فمن المرجح ازدهار الإبداع والابتكار لدى الموظفين، لا سيما عندما يشعرون بقدرتهم على تطوير واختبار أفكار جديدة، وبالتالي يشعر الموظفون بالتحفيز من خلال الأشكال المختلفة والصادقة مثل رسائل الشكر والتقدير وعندما يجد الموظفون التشجيع لمواصلة جهودهم الحثيثة وخوض المخاطرات المحسوبة قد تتمخض عن أفكار جديدة ومنتجة للمؤسسة، وهكذا يدعم الموظفون عملية تبادل المعلومات ويشعرون بمزيد من الارتباط بعملهم والاهتمام بتحقيق النتائج.

إظهار الرعاية:

عندما يصبح مكان العمل وبيئة العمل أكثر إنسانية ويكون الموظفون أكثر قدرة على رعاية أنفسهم والاستجابة لاحتياجات الآخرين من حولهم، فإذا تمكن الموظفون من التعامل بأريحية وتركيز طاقتهم في العمل مع تراجع قلقهم بشأن الأحداث التي قد تقع خارج نطاق حياتهم العملية، وبالتالي سيثق الموظف في الإدارة وفي إخلاصها، وهو أمر يسري على أنماط مختلفة من المواقف، ويعزز الشعور بالولاء والالتزام في مكان العمل.

العدالة:

يقيس معيار العدالة مدى إدراك الموظفين عدالة ممارسات وسياسات الإدارة، وذلك بتقييم مدى المساواة، والحيادية والإنصاف الذي يجده الموظفون داخل بيئة العمل من خلال الأبعاد الفرعية ضمن النموذج، حتى الوصول إلى درجة التوزان في معاملة كافة الموظفين فيما يتعلق بتوزيع المكافآت المادية وغير المادية، فعندما يثق الموظفون في أن القادة والمدراء يرونهم كأعضاء قيّمين في المجموعة، حينها يشعر الموظف بالارتياح عند طرح أفكاره ومقترحاته، وأيضاً أن يطلب المساعدة عند الحاجة إليها، وهكذا يتم تعزيز الروابط بين الموظفين بعضهم البعض وبين الموظفين وبيئة العمل، وهو ما يفيد عند السعي وراء فرص جديدة عند التعامل مع التحديات.

إظهار الحيادية:

عندما يثق الموظفون في أن كل فرد منهم لديه فرصة للمساهمة والنجاح، ويثق الموظفون في زملائهم وقادتهم بحيث يتحدث كل منهم عن الآخر بصورة إيجابية، ما يساعد في بناء الفريق ويشجع الآخرين، وبالتالي يدرك الموظفون ألا تسامح حيال السلوك التمييزي، سواء داخل مجموعة العمل التي ينتمون إليها أو على مستوى بيئة العمل ككل، فينخرط المدراء والموظفون بصورة نشطة في عقد اجتماعات وإجراء مناقشات لضمان إمكانية تبادل مجموعة متنوعة من الأفكار ومعرفة الموظفين لبعضهم البعض.

إظهار الإنصاف:

إنه وعند إدراك الموظف أن الإدارة ملتزمة بخلق مكان عمل تُشكل المعامل العادلة جزءاً لا يتجزأ منها، وليس مجرد القول أن كل شخص يجد المعاملة ذاتها في كافة الأوقات، حينها يثق الموظفون في أن كل فرد منهم يتمتع بقيمة متساوية لدى بيئة العمل باعتباره إنساناً، وأن السياسات والإجراءات التي تستخدمها بيئة العمل في إصدار القرارات ستستخدم بنفس الطريقة مع كافة الموظفين، فتزداد ثقة الموظف في عملية الالتماسات التي تتيح الدعم والعدالة للزملاء في الخط الأمامي وتدعم المدراء في عملهم، وبالتالي فثقة الموظفون في زملائهم وقياداتهم تساعد في بناء فريق عمل مميز وتسهم في تحقيق رؤية بيئة العمل وأهدافها الاستراتيجية.

الفخر:

يعبر معيار الفخر عن مدى شعور الموظفين بالفخر بعملهم، وذلك بتقييم مشاعرهم تجاه وظائفهم، وتجاه الفريق أو مجموعة العمل أو مكان العمل التابع للمؤسسة، وذلك من خلال الأبعاد الفرعية التالية ضمن النموذج، كأن ينخرط الموظفون في عملهم ويصبحوا أكثر إيجابية، لأنهم يشعرون بأنهم يصنعون فارقاً أو أن عملهم له تأثير مباشر أو غير مباشر في تحقيق أهداف العمل، وشعور الموظف بأنه يقدم إسهامات ضرورية لنجاح بيئة العمل يجعله يعتقد أن لعمله معنى خاص، وقد ينبع هذا الفخر من خلال إدراكهم لتفرد مهاراتهم الشخصية أو لأن الخدمة التي يقدمونها تتميز بخصوصية عالية لدى الموظفين أو المتعاملين، وهكذا يتم إنماء مشاعر إيجابية لدى الموظفين حيال ما يقومون بإنجازه في مجموعات العمل، وذلك عندما تعترف الإدارة بأن نجاح بيئة العمل يعتمد على فريق العمل بالإضافة إلى المساهمات الفردية، وبالتالي يلتزم الموظفون تجاه المؤسسة التي ينتمون إليها ويقوموا بإخبار الآخرين عن تجربتهم في العمل، فيبدي الموظفون مستوىً عالياً من الالتزام تجاه الحضور إلى العمل وتظهر مؤشرات الإنجاز العالي، ما يؤدي إلى تحقيق فوائد عديدة منها تقليل حالات التغيب عن العمل أو التأخر عن مواعيده.

فيرى الموظفون بيئة العمل كمنفذ لخدمة المجتمع والمساهمة في تنمية العالم خارج مكان العمل، وبالتالي فمن المهم أن تعترف الإدارة بأن نجاح بيئة العمل مرهون بجهود فريق العمل بالإضافة إلى المساهمات الفردية للموظفين.

 

روح الزمالة:

يقيس بعد الزمالة شعور الموظفين بالزمالة في مكان العمل، وذلك بتقييم جودة الألفة وكرم الضيافة والمجتمع في مكان العمل التابع للمؤسسة وذلك من خلال الأبعاد الفرعية، فالصداقة الحقيقية تعبر عن مدى تمتع الموظفين بالمودة مع زملائهم، وبقدرتهم على الاعتماد على بعضهم البعض، وتشمل نتائج تعزيز الألفة أن يصبح الموظفون قادرين على تكوين علاقات صداقة حقيقية مع بعضهم البعض، بما يعزز الروابط الفردية التي تربطهم بزملائهم في العمل، وأن يشعر الموظفون بقدرتهم على التعامل مع زملائهم بأريحية وأن يظهروا مواهبهم الفريدة، وحتى على مستوى أن يشعر الموظفون بقدرتهم على الاحتفال بالمناسبات الخاصة مع بعضهم البعض والاعتراف بعلاقاتهم الشخصية، فتنشأ علاقة وطيدة بينهم حتى يقدم الموظفون الدعم والمساعدة لبعضهم بسرعة عند الحاجة، حتى تصل إلى مدى شعور الموظفين بالود والترحاب في بيئة العمل وبأنهم قادرون على التمتع بأوقات طيبة بالعمل والمرح بصحبة زملائهم في بيئة العمل، وبالتالي تنمو بيئة العمل وتزدهر بفضل المعنويات العالية وروح الفريق الواحد، ما يساعد الموظفين على تكوين روابط مع زملائهم، وحينما يجد الموظف في المراحل الأولى من عمله في بيئة العمل ترحاباً دافئاً، سرعان ما تتولد لديه مستويات إيجابية من الرغبة في الولاء والانتماء والصداقة الحقيقية، ويصبح الجو مهيأ للانخراط العميق من جانب الموظف، سواءً في الحياة أو في بيئة العمل، حيث يُمكن أن يُقاس مدى شعور الموظفين بروح العائلة أو الفريق، وبالتالي يدرك الموظفون أنهم مشاركون في مؤسسة متفردة بالمعنى الحقيقي للكلمة فيثقون في أن زملاءهم سيساعدونهم في كافة الظروف والأحوال، وأنهم سيبدون بدورهم نفس القدر من التعاون عندما يطلب زملاؤهم منهم المساعدة، ويشعر الموظفون بروح الجماعة، والانتماء وروح العائلة أو الفريق.