القيادة والريادة – قيادة الذات أولاً

القيادة والريادة – قيادة الذات أولاً

القيادة والريادة – قيادة الذات أولاً

بغض النظر عن فلسفات الإدارة وتوجهاتها التنظيرية، يشير الواقع بأن القدرات القيادية تكاد تكون كامنة في الذات منشؤها التربية الاجتماعية للفرد ووضعه أثناء نموه العائلي، فمن خلال تجاربي السابقة توصلت إلى تعميم ربما يكون صحيحاً بأن تنشئة الفرد في طفولته والمواقف التي تعرض لها وسياسات التربية الأسرية تعد بوتقة حقيقية لصناعة القائد، هكذا إذن..

  التناسب اللفظي بين القيادة والريادة هو في الحقيقة تناسب معنوي وليس عفوي، فكل رائد قائد، وكل قائد بالمقابل رائد، هما عمودا النجاح للشخصية الناجحة التي تتمتع بقدرات تتآلف فيما بينها لتشكل هذه الثنائية الناجحة.

   القيادة لاتقتصر على الجانب الاجتماعي أو المؤسسي، بل إنها تبدأ أساساً من قيادة الذات والسمو بها، وكما قيل امتلاك الشيء يبدأ أولاً من استيعابه والاستحواذ عليه في النفس والشعور، ثم السير في خطاه وبلورته في طريق العبور، فبحسب المبادئ السيكولوجية إنْ امتلكت أفكارك الطموحة وآمنت بها مختزلاً إياها في كيانك وتفكيرك وجعلتها مرشداً ومحركاً ستصل بها إلى آفاق النجاح والتحقق، فلو كانت همة أحدكم في الثريا لنالها.

كم أنا مغرم بالشاعر العربي المتنبي الذي أعتبره مثالاً في القيادة الذاتية الناجحة، التي تجسدت في شخصيته القيادية الذاتية فحين وجد نفسه بلا رقم اجتماعي مغمور يتسكع وحيداَ قرر أن يقود ذاته نحو آفاق الشهرة والتأثير فكان له ذلك..

 

 

 

المتنبي هذا الشاعر العباسي امتطى صهوة جواد القيادة الذاتية ووصل بها إلى مشارف كثيرة تحققت من خلالها ذاته وطموحه فقط، لأنه قرر أن يكون.. فكان..

وقال: لِهَوى النُفوسِ سَريرَةٌ لا تُعلَمُ    عَرَضاً نَظَرتُ وَخِلتُ أَنّي أَسلَمُ

وله أيضا:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم     وتأتي على قدر الكرام المكارمُ

وتعظم في عين الصغير صغارها     وتصغر في عين العظيم العظائم

هكذا تجسدت القيادة والريادة، ففي علم القيادة المعاصرة نجد أنها لا تخرج عما قاله المتنبي قبل قرون مضت، فالقيادة كما تحدد التوجهات المعاصرة لها تبدأ من الوقود الداخلي والإرادة القوية التي تصنع النجاح ولا تجده، تقهر الواقع البائس- تصغير العظائم - وتحيله إلى تحدي هو العزم إذن، كما قال شاعرنا.

  ولعل أشهر مثال معروف وذائع الصيت على نطاق واسع للقائد الرائد  هو ستيف جوبز، ولكن هناك العديد من أمثلة الحياة الواقعية في عالم الأعمال وغيرها من المجالات، مثل بيل غيتس ومارك زوكربيرج وريتشارد برانسون.

 وفي عالمنا اليوم سعت عدد من المؤسسات إلى إدخال مفهوم القيادة الريادية إلى عالم الأعمال، ومن الأمثلة الجيدة على ذلك البنك العالمي، يو بي إس، الذي استطاع في الفترة من عام 2002 إلى 2006 نشر مفهوم القيادة الريادية بشكل استباقي بين 500 من أفضل قادته. وتم إثبات نجاح هذه الفكرة بتسليط الضوء على التحسينات التي شهدها أداء الفرد والفريق، وكذا الأداء المالي، وأصبح المشروع عنصرًا رئيسيًا في دراسة حالة بكلية الأعمال بجامعة هارفارد، “بنك يو بي إس ينظم الشركة المتكاملة”. وحصل البنك بعد ذلك على لقب “أفضل شركة للقادة” (أوروبا) في عام 2005. وكان تنفيذ هذا المشروع في بنك متعدد الفروع منتشر على مستوى العالم أمرًا معقدًا واستلزم عدة سنوات. وتم استعراض ذلك في دراسة حالة أجراها كريس رويبك، الأستاذ الزائر في القيادة التحويلية بكلية كاسCCE  لإدارة الأعمال في لندن. وكان رويبك أحد قادة فرق العمل الذين طبقوا أسلوب القيادة الريادية في بنك يو بي إس. حيث لاحظ الأستاذ كريس رويبك أنه في الأمثلة الحديثة لتطبيق القيادة الريادية في المؤسسات، أصبحت مشاركة الموظف عاملاً أساسيًا في النجاح. وقد سمح ذلك أيضًا بظهور مفهوم وظائف دعم الأعمال الريادية، مثل الموارد البشرية الريادية والدعم الفني الريادي، وذلك لتقديم الدعم للمستهلك أو العميل الذي يتعامل مع أجزاء من المؤسسات .

      وفي الأخير نقول: إن القيادة الريادية ليست أسلوب قيادة مثلما هي تركيز جهود القيادة والموظفين على أفعال معينة، إما ترفع فعالية تقديم الخدمة حاليًا إلى الحد الأقصى أو تهدف إلى تحسينها في المستقبل .

     دمتم سالمين

د. عبد الفتاح سالم الغساني

أستاذ الإدارة والتخطيط الاستراتيجي المساعد – مدير مركز البحوث والدراسات التنموية –الجامعة الوطنية