تطوير الشركات بين الحقيقه والوهم

تطوير الشركات بين الحقيقه والوهم

تطوير الشركات بين الحقيقه والوهم

من الأمور المسلمة أن الحياة تتطور وما كان مناسباً بالأمس لم يعد كذلك اليوم وأن التطوير ضرورة حياتية مفروضة، وليست باختيارنا، وما لم نقم بتطوير شركاتنا فسوف تتقادم وتنتهي والناس تختلف في أساليب التطوير حين تجد كثيرا من المشروعات متعثرة أو راغبة في التطوير والتحسين، فتبدأ بالصراخ أحيانا علناً وأحياناً آخري سراً، ثم يكون أمام تلك المشروعات خيارات، ففي الغالب أنها تنظر الى الشركات الناجحة والريادية، والتي في وضع أفضل منها بغض النظر عن عمر تلك الشركات، وتبدأ على العمل للتحول الى النجاح الذي تشاهده أو تبتغيه، فيكون لديها خيارات منها:

1-      أسلوب المتسولين:

والتسول أحد الظواهر الأكثر انتشاراً في البلدان النامية أو النائمة لا فرق في المصطلح سوى ترتيب الأحرف، وهو أحد الظواهر الأكثر انتقادا من المجتمع، ولكن دون جدوى! فالظاهرة تزيد وتتطور وسائلها حتى تتحول الى عمل منظم له جهات وواجهات ومسميات وأصحاب هذا الأسلوب يعيشون على جهد غيرهم، ولا يكلفون أنفسهم عناء تنمية قدراتهم أو التفكير في بذل الجهد الذاتي لتطوير شركاتهم، بل يكتفون بالفتات التي تتركه الشركات والحيز الذي لا تهتم به فيرضون لأنفسهم وشركاتهم أن يعملوا في الحيز التافه المتروك لهم قصداً من الشركات الأخرى إنه أسلوب المتسولين الذين يكتفون بالفتات الذي يتركه لهم الأقوياء.

2-      أسلوب اللصوص:

 أحد الظواهر الأخرى والتي تنتشر في الإدارة تحت مسميات مختلفة هو ما أسميه أسلوب اللصوص، ويتضمن عنصرين:

أ – التقليد الأعمى:

كما أن أهون أنواع التسول واللصوصية تكون في المال فمن يطلبك أو يسرقك نقوداً هو أهون المتسولين أو اللصوص؛ لأنه يأخذ ثمرة جهدك من المال، ولكن من يتسول أو يسرق الفكرة هو الأشد خطراً وضرراً على نفسه وعلى المجتمع، فعلى نفسة لأنه يعطل قواه العقلية وتفكيره وإبداعه ليحل محلة تفكير ورؤية وخطة الآخرين واساليبهم، هذا اذا كانت الفكرة له أما اذا كانت لغيرة فهي أشد ضررا عليه وعلى غيره؛ لأنه لا يدري بقيمة ما حصل عليه ولا بتفاصيل وضع تلك الفكرة موضع الحياة، إن الفكرة يجب أن تكون نابعة من واقع المؤسسة ومفصلة على مقاسها، وليست مجرد نقل حرفي دون معرفة حقيقية بكيفية التنفيذ العملي بشكل يجعل الإدارة فعالة، لا مجرد أشكال وديكور يعمل على إعاقة العمل وخلق مزيد من العراقيل لوجود شكل بدون مضمون.

ب‌-    استقطاب موظفين من الشركات المنافسة:

 استقطاب موظفين من تلك الشركات الناجحة على اعتبار أن أولئك الموظفين هم سر نجاح تلك الشركة، وبالتالي سوف يكونوا سر نجاح لدى شركتنا أو أنهم سوف يقومون بنقل خبرة ومعلومات وأساليب تلك الشركة إلينا، بل وربما أيضا نقل عملائهم وهذا الأمر وهم، إذ ليس مجرد استقطاب موظفين أصحاب كفاءة وقدرة وخبرة كبيرة يكفي وحده كعامل لتطوير الشركة ما لم يتواكب ذلك بتأهيل للشركة إلى مستوى الذي تستطيع فيه استيعاب خبراتهم، وبدون ذلك يصبح هذا الأسلوب أسلوب لصوصي لا غير.

3-       أسلوب طلب الاستشارة من الخبراء:

أسلوب  طلب الاستشارة من الخبراء في مجال الإدارة، وخاصة من لهم باع في مجال الاستشارة أو التدريب والعمل مع جهات مرموقة وتتعاقد معهم على أساس أنهم سيقومون بالتطوير اللازم، ونقل الشركة إلى مستوى متقدم، كما يطمحون بل إن بعض الشركات تتعاقد مع مستشارين أو موظفين لسنوات محددة لمجرد معرفة ما الذي يميز الأخرين أو رغبة في أخذ ما لديهم من خبرة متراكمة عبر السنين وصبها في فترة وجيزة، ويكون بهذا قد حصلوا على خلاصة ما لدى الآخرين من خبرة طويلة في فترة وجيزة ظانين أن ذلك سوف يكون هو ما يسبب لهم قفزة نوعية تضمن لهم اللحاق بالآخرين، بل والتقدم عليهم من خلال أخذ خلاصة ما لدى الآخرين من الخبراء وأهل المعرفة، وهذا وهم آخر، حيث أن أولئك الخبراء وأصحاب الباع الطويل والعلم الغزير مهاما كان لديهم من علم وخبرة إلا أن ذلك العلم وتلك الخبرة يظلان بحاجة إلى التكييف على واقع الشركة، وهذا لا يأتي إلا بفهم عميق ودقيق لبيئة المؤسسة، ولن يأتي ذلك إلا بالنزول إلى واقع العمل وملاحظة الظروف التي تمارس فيها الأعمال، وهذا غير ممكن حصوله في فترة وجيزة كما أن هناك كثير من المعلومات تكون مغلوطة فضلا عن سوء فهم من قبل العاملين وتشكك في العمل الجديد، وهذا يحتاج إلى تهيئة مناسبة وإدارة التغيير بأسلوب adkar الذي تكلمنا عن لمحة عامة عنه في المقال السابق، كما يحتاج إلى تطوير حقيقي في أساليب تفكير ومهارات العاملين ومتابعة تنفيذ على الواقع وحل أي إشكالات قد تعترض التنفيذ على الواقع، وليس مجرد تدريب ثم دعوة العاملين لتنفيذ ما تدربوه بأنفسهم دون إشراف وتقييم من الجهة التي قامت بالتدريب باعتبار أن التنفيذ الواقعي هو المحك العملي،  ومنه يمكن قياس أثر التدريب هل أدى إلى تحسين في الأداء.

إن ما ينقص هذه الخطوة- أعنى الاستعانة بالمستشارين والخبراء – هو القيام بتحليل دقيق لواقع المؤسسات المستهدفة وتقديم تقرير كامل لأصحاب القرار بالواقع القائم، وخاصة الفجوة بين الواقع والمفترض، وما أضرار عدم التغيير مع تكلفة التغيير المطلوب واحتياجات التنفيذ بشكل واضح والمدى الزمنى للتغيير ومقاييس الأداء للحكم على التعديل المطلوب، ومن ثم الشروع في التنفيذ، وقد أصبح لدى صاحب القرار رؤية واضحة ونتائج متوقعة بمقاييس يمكن تقييم العمل والحكم عليه.

ولعل السبب في عدم قيام بعض الجهات الاستشارية بفصل عملية التقييم عن عملية الإعداد والتنفيذ يرجع في تقديري إلى عوامل عدة تختلف باختلاف الجهة أو الشخص المنفذ، فبعضهم لا يمتلك قدرة على التقييم الحقيقي أو ليس لديه الوقت أو الرغبة في ذلك لصعوبة العملية، وعدم تمكنه من الحصول على البيانات المطلوبة في الوقت المحدد وبالدقة والصيغة المطلوبة نظرا لسياسة المؤسسة في التحفظ وعدم الإفصاح والادلاء ببعض المعلومات وخاصة المالية منها، أو ما يمكن أن يترتب عليه جانب مالي.. أو لوجود رغبة لدى الجهة المستفيدة في نقل تجربة جاهزة خاصة من تجارب المنافسين لغرض المعرفة والإضافة الى رصيد المؤسسة دون كشف واقعها الذي تريد الاحتفاظ به أما لكونه دون المطلوب، ولا تحب ان تظهر بمستوى اقل أو لرغبتها في الاحتفاظ بتجربتها والخوف من وصولها الى غيرها من المنافسين أو لعوامل أخرى مما يجعل العمل الاستشاري بين ثلاثة خيارات: الخيار الأول:  إما التوقف وهذا الخيار يكون مقبولا عند بداية العمل بفترة وجيزة، حيث يدرك المستشار ان عملة قد يفقد مهنيته المطلوبة، وبالتالي يكون التوقف هو الأفضل من الجانب المهني  أو الاكمال بشكل ترقيعي وشكلي بعيدا عن واقع المؤسسة المقصودة، وليس له اثر إيجابي في المؤسسة بقدر ما هو عمل شكلي، وهذا اذا كانت الجهة الاستشارية تبحث عن انجاز شكلي يضمن لها مردودا ماليا بغض النظر عن مدى ملائمته للواقع وفائدة العملية، وقد يكون لأن الجهة الاستشارية ترى أن الوقت سيكون كفيل بالتغيير والتطبيق وأن الظروف سوف تجبر الجهة على التنفيذ، والخيار الثالث: هو الاستمرار مع تطويل الفترة الزمنية بحيث تكون فترة الاعداد تتضمن تنفيذا وتحسينا، يضمن أنه في حال عدم تطبيق المخرج النهائي إلا أن كثيرا من الأمور قد تحسنت أثناء الإعداد، وهذا يحتاج الى مهارة وصبر الجهة ويكون ملائما، حين يكون الاستشاري بعقد طويل مع الجهة، وله احتكاك بالعمل مباشر بالعمل والعاملين بحيث يستطيع الاطلاع على الوضع القائم بسلاسة دون الحاجة للوقوع تحت تأثير ضغط الوقت المحدد ولعل هذا انسب الخيارات، إلا أن له سلبياته أيضا، حيث قد يؤدي الى ملل لدى صاحب القرار والعاملين، حيث يرون طول المدة، ولا يرون التغيير العميق الذي يحدث، والذي يعتبر ضروريا لتهيئة الظروف وإعداد البيئة بشكل عميق يجعل تنفيذ التغيير النهائي أسهل وأكثر واقعية وفائدة، كما أن الملل والإحباط قد يتسرب للمستشار مع طول المدة مما يوحى بعدم جدية الجهة المستفيدة أو عدم احساسها بأهمية العمل مما قد يجعل أحد الجهتين تقرر التوقف والاكتفاء بما تحقق وترك الباقي للوقت .   

والخلاصة:

إن اكتفاء الشركة بالعمل في المجالات الهامشية التي تتركها الشركات القوية هو أسلوب المتسولين، أما التقليد الأعمى للشركات الناجحة أو استقطاب كوادر من تلك الشركات فهو أسلوب اللصوص أما الاستعانة البصيرة والجادة بالخبراء الذين يجمعون بين الخبرة العملية والتخصص العلمي مع تقييم واقعي وحقيقي لواقع الشركة، والاستعداد للتطوير ودفع تكاليفه والمضي فيه حتى النهاية فهو أحد الأساليب الجيدة والمقبولة إذا صدرت عن رغبة حقيقة واستعداد فعلي لإحداث التغيير اللازم مهما كلف الأمر.

وعلى العموم فإن حقيقة تطوير الشركات مهما كان الأسلوب يجب أن يضمن:

تطوير وتمكين الكادر البشري، وبناء روح الفريق، وفتح مسار لتطوير العاملين، ورفع الولاء والأمان الوظيفي، وتحسين بيئة وظروف العمل، مما يؤدى الى الاستقرار الطوعي للعمالة، وتحسين وتبسيط الإجراءات الإدارية، وبناء لوائح وأنظمة مرنة تساعد على ضبط وتسهيل العمل وتحسن رضا وولاء العملاء، وضمان ربحية مناسبة ...

ومن اجل ذلك وفوق ذلك كله يجب أن توجد قيادة وإدارة ذات روح راقية تعشق الابتكار والتطوير المستمر وتندفع الى الانجاز

عبدالله مانع دماج

خبير الموارد البشرية ومستشار إداري